(فصل) لا زلنا نعرض سلسلة مقالات في محاولة من اسرة الموقع للاحتفال و الاحتفاء بمولده صلى الله عليه و سلم، و مدارنا اليوم أننا بعد نشر مقال سبب الاحتفال العقلي و النقلي به صلى الله عليه و سلم، أردنا أن نوضح لمسألة المشروعية و قول الشرع فيه. خاصة و أنها من الأشياء التي يتكلم بها الناس كثيرا.
و لتكون طريقة عملية تبين معنى قول شيخنا “طريقنا القرآن ثم السنة” فكل ما كان قرآنا و سنة و شرعة هو طريق شيخنا الشيخ الجعفري، تميز بأنه كان يدرس كل الآراء و المدارس الدينية على مر العصور و يخرج برأي الجمهور أو الأقرب منه أو الأحوط و بذلك تر في معاني الطريق الجعفري أن إمام الجامع الأزهر سيدي الشيخ صالح الجعفري أرجع التصوف للموروث عن السلف الصالح، و اخبرنا بأنه رضوان الله عليه ليس عنده خرافات و لا بدع، ولا القيل و لا القال.
و فيه ست نقاط:
النقطة الأولى: و فيها نبدأ بتقديم رأي سيدي فضيلة الشيخ عبد الغني صالح الجعفري:
-“ عجبا لمن يسمع هذا القول و يقول: إن الاحتفال بالمولد بدعة!! و أي بدعة يعني و قد جاء “كل بدعة ضلالة”؟!
-
و قوله: “لقد كرم الله تعالى يوم ولادة رسله، و يوم الموت، و يوم البعث مرتين، و قال حكاية على لسان عيسى – عليه السلام -: “وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا” الأية 15، سورة مريم
-
“وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا” الأية 33، سورة مريم
إذن، فليوم الولادة منزلة عند الله – تعالى – عبر عنها القرآن بالسلام من المولى عز و جل يوم ولد، و سلام الله مدد لا نحصر مداه و لا مدلوله و لا معناه.
و قوله: و قد أثبتت صحاح كتب الحديث التي روت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يلازم صوم يوم الإثنين من كل أسبوع، فسئل عن ذلك فقال: “يوم ولدت فيه، و أنزل علي فيه”
و معنى هذا أن النبي – صلى الله عليه و سلم – كان يحيي ذكرى مولده الشريف شكرا لله تعالى في كل أسبوع مرة بالصيام.
و قوله: “و قد ذكرت كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم ذبح في حجة الوداع ثلاثا و ستين بدنة بعدد سني عمره الشريف”
فهذه أربع أدلة بداية من نفي كونها بدعة منكرة، و بعدها بتوضيح أهمية هذا في القرآن، ثم بدليلين يمثلان سنتين فعليتين من رسول الله صلى الله عليه و سلم. قدمهم جيمعا الشيخ عبد الغني الجعفري.
النقطة الثانية: رأي الإمام السيوطي: و لنقف على نقطة البدعة، و نبدأ بدراسة هذا الموضوع دراسة علماء السلف لها.. ثم بعد ذلك نورد بعض آراء علماء السلف في المولد الشريف و كل هذا باستفاضة رسالة للشيخ السيوطي اسمها حسن المقصد في عمل المولد.
قال الإمام النووي رحمه الله في نهذيب الأسماء و اللغات: البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم، و هي منقسمة إلى: حسنة، و قبيحة.
و قال سلطان العلماء سيدي العز بن عبد السلام في القواعد: البدعة منقسمة إلى: واجبة و محرمة و مندوبة و مكروهة و مباحة.
قال: و الطريق في ذلك أن نعرض البدعة على قواعد الشرع، فإذا دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي محرمة، أو في المندوب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة.
و ذكر لكل قسم من هذه الخمسة أمثلة، إلى أن قال: و للبدع المندوبة أمثلة منها: إحداث الربط، و المدارس، و كل إحسان لم يعهد في العصر الأول، و منها: التراويح، و الكلام في دقائق التصوف، و في الجدل. و منها: جمع المحافل للاستدلال في المسائل إن قصد بذلك وجه الله.
و روى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: المحدثات من الأمور ضربان :أحدهما ما أحدث مما يخالف كتابا، أو سنة أو أثرا، أو إجماعا، فهذه بدعة الضلالة. و الثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد و هي من المذكورات، فهذه محدثة غير مذمومة.
و قد قال عمر رضي الله عنه: “ نعمت بدعة هذه”
يعني: أنها محدثة لم تكن، و إذا كانت، ليس فيها رد لما مضى. هذا آخر كلام الشافعي.
يقول الإمام السيوطي بعد عرض هذه الأدوات الشرعية من الأئمة النووي و العز بن عبد السلام و الشافعي رضوان الله عليهم و هم أئمة و شيوخ من أهم أعمدة السلف الكرام: “ لأن هذا القسم مما أحدث، و ليس فيه مخالفة لكتاب، و لا سنة، ولا أثر، ولا إجماع، فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي: “و هو من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول”.
فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان، فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.
و نحن سنشارك بكتاب الإمام السيوطي الذي رد فيه على أحد فقهاء عصره ممن ظن بالمولد الظنون، و الإمام السيوطي لمن لا يعرفه من أئمة السلف الكبار، و يشتهر في مصر هذه الأيام بتفسير الجلالين، و قد كان الشيخ السيوطي من أبرز معالم الحركة العلمية والدينية والأدبية في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري، حيث ملأ نشاطه العلمي في التأليف مختلف الفروع في ذلك الزمان من تفسير وحديث وفقه وتاريخ وطبقات ونحو ولغة وأدب وغيرها، فقد كان موسوعي الثقافة والاطلاع.
علينا أن نعرف قدر علمائنا القدام و نقرأ عنهم خاصة في مثل هذه الأيام.
الثالثة: و نستضيف أيضا رأي العلامة ابن حجر العسقلاني، و إمامنا ابن حجر العسقلاني و الملقب بأمير مؤمنين علم الحديث، لمن لا يعرفه، هو شارح البخاري الذي قيل فيه أنه أصح كتاب بعد القرآن الكريم، و قد مكث في الشرح عشرين سنة، ولما أتم التأليف عمل مأدبة ودعا إليها أهل قلعة دمشق وكان يوماً عظيماً. ويعتبر هذا الكتاب أفضل شرح وأعمّه نفعاً لصحيح البخاري، وتأتي أهمية كتاب ابن حجر من كونه شرحاً لأصح ما ورد عن رسول الله محمد من حديث وقد تضمن ذلك الشرح ذكر أحاديث أخرى وعلق ابن حجر على أسانيدها وناقشها حتى كان بحق (ديوان السنة النبوية)، وكذلك لما تضمنه من فقه وأصول ولغة ومناقشة للمذاهب والآراء في شتى المعارف الإسلامية.
يقول الإمام: “ أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، و لكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن و ضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن، و تجنب ضدها، كانت بدعة حسنة، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون, ونجى موسى، فنحن نصومه شكرا لله، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة.. إلى أن قال : وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي صلى الله عليه وسلم.. نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة”
الرابعة: الأصل الثاني الذي أخرجه الإمام السيوطي:
و هذا هو الأصل الذي أخرجه الإمام ابن حجر و قد ذكره الشيخ السيوطي في نفس الكتاب، و زاد أن للأمر أصلين من السنة، فالأول هو الأصل الثابت الذي أخرجه الإمام العلامة ابن حجر، و الثاني هو ما خرجه الإمام السيوطي بنفسه .. فيقول:
“قلت: و ظهر لي تخريجه على أصل آخر، و هو ما أخرجه البيهقي، عن أنس رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه و سلم عق عن نفسه بعد النبوة”
مع أنه ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته، و العقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه و سلم إظهارا للشكر على إيجاد الله تعالى إياه، رحمة للعالمين، و تشريفا لأمته، كما كان يصلي على نفسه، لذلك فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده باجتماع الإخوان، و إطعام الطعام، و نحو ذلك من وجوه القربات، و إظهار المسرات. “
الخامسة: و بجوار الإمام السيوطي و ابن حجر من السلف ففتوى الإمام ابن الجوزي حين قال عن المولد النبوي: “”من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام” و موقع هذا في كتاب السيرة الحلبية، لعلي بن برهان الدين الحلبي.
كما أن تقي الدين ابن تيمية الحراني قد أقر بعدم وجود مانع شرعي من الاحتفال بالمولد، و قال في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم: “فتعظيم المولد و اتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس و يكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده و تعظيمه لرسول الله صلى الله عليه و سلم ” للأمانة العلمية نقول انه رأى الكراهة مع عدم الحرمانية في المولد متعللا بان السلف الصالح لم يعملوه و على ذلك سار احد الفقهاء الذين عاصروا الإمام السيوطي و يرد عليهم شيخنا السيوطي قائلا:
“ نفي العلم لا يلزم نفي الوجود، و قد استخرج له الحافظ أبو الفضل ابن حجر أصلا من السنة، و استخرجت أنا له أصلا ثانيا”
السادسة أننا بعد أن تكلمنا عن أراء العلماء المشتهرين في زماننا من أئمة السلف، نريد أن نذكر جملة من علماء السلف الكبار الذين أكدوا أيضا على مشروعية الاحتفال و ما أكثرهم حتى كاد يكون إجماعا، و ممن ذكرهم الشيخ السيوطي في كتابه:
الشيخ الحافظ شمس الدين الجزري، إمام القراء.
الشيخ الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي و له فيه كتاب يسمى “مورد الصاوي في مولد الهادي”
الكمال الأدفوي يقر الاحتفال به أيضا.
ابن الحاج.
و قد ذكر الشيخ محمد علوي المالكي عددا من العلماء ممن ألفوا كتبا في المولد:
-
الحافظ عبد الرحيم العراقي: توفي 808 هـ، له مولد باسم “المورد الهني في المولد السني”.
-
الحافظ ابن كثير: توفي 774 هـ، وله مولد طبع بتحقيق صلاح الدين المنجد.
-
الحافظ السخاوي: توفي 902 هـ، وله مولد باسم “الفخر العلوي في المولد النبوي”.
-
الحافظ ابن الجوزي: توفي 597 هـ، وله مولد باسم “العروس”، وقد طبع في مصر.
-
الحافظ أبو الخطاب عمر بن علي بن محمد المعروف بابن دحية الكلبي: توفي 633 هـ، وله مولد باسم “التنوير في مولد البشير النذير”.
-
شمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقي: توفي 842 هـ، وله مولد باسم “المورد الصاوي في مولد الهادي” وكذلك “جامع الآثار في مولد المختار” و”اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق”.
-
ملا علي قاري: توفي 1014 هـ، وله مولد باسم “المورد الروي في المولد النبوي” وهو مطبوع.
-
الحافظ شمس الدين ابن الجزري: توفي 660 هـ، إمام القراء، وله مولد باسم “عرف التعريف بالمولد الشريف”.
-
علي زين العابدين السمهودي: توفي 911 هـ، وله مولد اسمه “الموارد الهنية في مولد خير البرية”.
-
الحافظ محمد الشيباني المعروف بابن الديبع: توفي 944 هـ.
-
ابن حجر الهيتمي: توفي 974 هـ، وله مولد باسم “إتمام النعمة على العالم بمولد سيد ولد آدم”.
-
الخطيب الشربيني: توفي 1014 هـ، وله مولد باسم “المولد الروي في المولد النبوي”.
-
المحدث جعفر بن حسن البرزنجي: توفي 1177 هـ، وله مولد باسم “عقد الجوهر في مولد النبي الأزهر”، وهو من أكثر الموالد انتشارًا في البلاد الإسلامية.
الجامع الجعفرى الدراسة 2021 - كل الحقوق محفوظة
ترك تعليقاتكم