نكمل الجزء الثاني من سلسلة تدوينات سبع أدلة على مشروعية الاحتفال بمولده صلى الله عليه و سلم، و كنا في التدوينة السابقة أوضحنا ثلاث أدلة (يمكنك قراءة الجزء الأول هنا)، فمولده صلى الله عليه و سلم هو تذكير بأيام الله، وشكر على النعمة، و فرحٌ و سرورٌ بفضل الله علينا إذ بعثه صلى الله عليه و سلم رحمة للعالمين. و نضيف هنا أربع أدلة أخرى:
٤/التبرك بمكان وزمان الميلاد:-
فَضَّلَ الله تعالى يوم الجمعة على سائر الأيام لظهور نعمة ميلاد سيدنا آدم عليه السلام، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم “خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ” (البخاري: 854)
وبالتالي يندب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف تعظيماً لمَولد خير الأنبياء والرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
٥/الاحتفال بسلامته بَعدَ الغَزو:-
كان الصحابة يحتفلون بحياته وسلامته عند رجوعه من الغزوات.
ـ فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: “لما كان يوم أحد حَاصَ أهل المدينة حَيصَةً، وقالوا: قُتِلَ محمدٌ، حتى كثر الصراخ في ناحية المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار مُتَحَزِّمَةً، فاستقبلت بأبيها ابنها وزوجها وأخيها (أُخْبِرَت بمقتلهم)، لا أدري أيّهم استقبلت به أولا، فلما مرّت على آخرهم قالوا: أبوك، زوجك، أخوك، ابنك، فتقول: ما فعل رسول الله؟، يقولون: أمامك، حتى دُفِعَت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخذت بناحية ثوبه، ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سَلِمْتَ من عَطَبٍ ” (حلية الأولياء: 153)
- خرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في بعضِ مَغازيهِ ، فلمَّا انصرفَ جاءت جاريةٌ سوداءُ ، فقالت : يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كُنتُ نذرتُ إن ردَّكَ اللَّهُ سالمًا أن أضربَ بينَ يديكَ بالدُّفِّ وأتغنَّى ، فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : إن كنتِ نذَرتِ فاضربي وإلَّا فلا. أخرجه الترمذي وصححه وأحمد فى مسنده وابن حبان في صحيحه.
٦/إظهار الله لعام مولده:-
﴿ أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَـٰبِ ٱلۡفِیلِ أَلَمۡ یَجۡعَلۡ كَیۡدَهُمۡ فِی تَضۡلِیلࣲ وَأَرۡسَلَ عَلَیۡهِمۡ طَیۡرًا أَبَابِیلَ تَرۡمِیهِم بِحِجَارَةࣲ مِّن سِجِّیلࣲ فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفࣲ مَّأۡكُولِۭ﴾
[سورة الفيل: 1 – 5]
وذلك أن العرب أمة أمية : “إنَّا أمَّةٌ أمِّيَّةٌ لا نكتُبُ ولا نحسِبُ” (البخاري: 1814) لا تعتني بذكر تاريخ الميلاد، وهذا سر أن عظماء الإسلام يكتب بعدهم (المتوفى سنة كذا… )
أمّا رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم فمعلوم يومَ وشهرَ وسنةَ مَولده الشريف على وجه القطع واليقين.
٧/سُنة حسنة وإجماع المسلمين:-
ما عليه أهل العلم والفتوى وجماعة المسلمين، هو أنَّ الاحتفال بالمولد النبوى الشريف تعظيمٌ واحتفاءٌ وفرحٌ بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وتعظيمُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاحتفاءُ والفرح به أمرٌ مقطوع بمشروعيته؛ لأنَّه عنوان محبته صلى الله عليه وآله وسلم التي هي ركن الإيمان.
ويستند إلى قول الحافظ ابن رجب الحنبلي في “فتح الباري” أن محبَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أصول الإيمان، وهي مقارِنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها اللهُ بها، وتَوَّعَدَ مَن قدَّم عليهما محبَّة شيء من الأمور المحبَّبة طبعًا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك.
وأضاف أن المراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوي: يقصد به تجمع الناس على الذكر، والإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وإطعام الطعام صدقة لله، والصيام والقيام؛ إعلانًا لمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإعلانًا للفرح بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الدنيا.
أقوال العلماء في مشروعية الاحتفال بالمولد الشريف:
- قال الإمام أبو شامة شيخ الإمام النووي رحمهما الله تعالى: “ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء مشعر بمحبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك “.
- قال الإمام الحافظ السيوطي رحمه الله: “هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف صلى الله عليه وسلم” .
- قال الحافظ العراقي: “إن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهور نور رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الشريف ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروها فكم من بدعة مستحبة قد تكون واجبة “
- قال العلامة ابن عابدين في شرحه على مولد ابن حجر: اعلم أن من البدع المحمودة عمل المولد الشريف من الشهر الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- وقال الشيخ ابن تيمية: “فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم ؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم”
- قال الإمام ابن حجر الهيثمي رحمه الله ” الحاصل أن البدعة الحسنة متفق على ندبها وعمل المولد واجتماع الناس له كذلك أي بدعة حسنة”
- وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد : “البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ، والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة ، فإذا دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة …… الخ”
و قد نظم ابن غازي المكناسي المالكي (المتوفي 919) نظماً يوضح فيه أقسام البدعة أقسام البدعة :
كن تابعا و وافقن من اتّبع ** وقسمن لخمسة هذي البدع
واجبة كمثل كَتبِ العلم ** ونقط مصحف لأجل الفهم
ومستحبة كمثل الكانس ** والجسر والمحراب والمدارس
ثم مباحة كمثل المُنخل ** وذات كُره كخوانِ المأكل
ثم حرام كاغتسال بالفُتات ** وكاسيات عاريات مائلات
صورة المقال تصوير FFaruq و تم نشرها بموجب رخصة CC
الجامع الجعفرى الدراسة 2021 - كل الحقوق محفوظة