تحتفل الأمة هذه الأيام بيوم مولد النبي محمد صلى الله عليه و سلم، و هذا الاحتفال في ذاته لا يحتاج إلى دليل أو يفتقر إلى نَصٍ أو تخريجٍ للاستناد عليه أثناء الاحتفال؛ بل يكفينا الباعث على هذا الفرح والسرور والذي ينبع من شدة حُب المسلمين لرسولهم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والذي هو ركن الإيمان الركين وأساسه المتين، والذى بدون هذا الحب لا يتم إيمان العبد.
ولكنّي أَكتب هذه الكلمات اتباعاً لِسُنَّةِ الفقهاء وسيراً على نهج العلماء مِن سَلَفِ الأمة الصالحين، والذين كانوا عند ذكرهم لمسائل من أبواب الشريعة-بعد ذكرهم للتعريف والحكم-يُردفون هذا بدليل المشروعية ووجه الدِلالة.
و في ما يلي نذكر بَعض أدلة مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف:
1-التذكير بأيام الله:-
﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ (إبراهيم:5)
ومِن أيام الله تعالى: أيامُ نصره أنبيائه وأوليائه، وأيام مواليدهم، وأعظمُها قدرًا مولدُ الحبيب المصطفى والنبى المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم.
فَعَن أُبَيِّ بن كعبٍ رضيَ الله عنه قال: “أيام الله أى نِعَمِهِ تبارك وتعالى” (مسند الإمام أحمد: 20625)؛ فولادته صلى الله عليه وآله وسلم هي النعمة الكبرى وما بعدها فرع عنها وثمرة من ثمراتها.
فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “قدم النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا:هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى – عند مسلم شكراً – فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه”. (البخاري: 1900)
٢/شكر النعمة:-
وشكر الله تعالى على نعمة الإيجاد؛ موجود نَبَّه اللهُ فى القرآن الكريم على فضله لبعض الأنبياء والمرسلين كسيدنا يحيى وسيدنا عيسى فقد كرَّم الله تعالى أيام مواليدهم وجعلها أيام سلام؛ فقال سبحانه:
﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ (مريم:15)
﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ (مريم:33)
ويومُ ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم سببُ كلِّ نعمة في الدنيا والآخرة.
٣/إظهار الفرح والسرور:-
قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ (يونس:85)
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الرحمةُ العظمى إلى الخلق كلهم؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: “فضلُ الله: العلمُ. ورحمتُه: مُحَمَّد صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال الله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين”
و من قول عروة بن الزبير رحمه الله ما يلي :
” وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، َلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ – أي بسوء حال -، قَالَ لَهُ : مَاذَا لَقِيتَ ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ : لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ ” (البخاري: 4813) ومراسيل عروة ابن الزبير وهو من عظماء التابعين مقبولة ويحتج بها فى الأحكام لاسيما وقد رواها عنه البخاري؛ فالعمل بها في المناقب من باب أولى.
وذكر أن الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي مُحَدِّث الشام قال في كتابه المسمى بورد الصادي في مولد الهادي قد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الإثنين-لاعتاقه ثويبة- سروراً بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أنشد:
إذا كان هذا كافرا جاء ذمه** وتبت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في يوم الاثنين دائما** يخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذي كان عمره** بأحمد مسرورا ومات موحدا
الجامع الجعفرى الدراسة 2021 - كل الحقوق محفوظة