عن فضيلة الإمام الشيخ عبد الغنى الجعفرى – حفظه الله تعالى – شيخ الطريقة الجعفرية الأحمدية المحمدية بمصر والعالم والإسلامى .
ولد شيخنا فى مدينة دنقلا – عاصمة المديرية الشمالية بالسودان – وهو الابن الوحيد لسيدنا ومولانا العارف بالله – تعالى – سيدى الشيخ صالح الجعفرى –رضى الله تعالى عنه – وقد تركه والده بدنقلا صغيراً لم يدخل الخلوة ( الكُتَّاب) ؛ حيث سافر إلى مصر وتركه وأسرته فى كفالة جده الحاج محمد صالح الجعفرى –رضى الله تعالى عنه- وكان سفر سيدى الشيخ صالح الجعفرى –رضى الله تعالى عنه- إلى مصر لطلب العلم بالأزهر الشريف ؛ حيث لم يثنه عن طلبه تركه لوطنه، ولا مفارقته لابنه الوحيد ، وكان يجمع بين طلب العلم والدعوة إلى الله – تعالى بالخطابة والوعظ والإرشاد خدمة للدين والعلم ، واستمر على ذلك ولم يذهب إلى السودان إلا زائراً عابراً حتى انتقل إلى رحمة الله –تعالى- ورضوانه.
وكانت عناية الله –تعالى- تحيط بابنه الوحيد الذى تركه ليجاهد فى نشر شريعة الإسلام ، وهداية الحائرين ، فتربى ونشأ مع أخته فى كنف جده، وعاش معه فى المنزل ؛ حيث كانت والدته ترعاه وترعى اخته وتتولى أمورهما.
فلما وصل إلى سن التعليم وهو سبع سنوات دخل الكتاب فى دنقلا وتعلم به بجوار المسجد الكبير ، فحفظ القرآن الكريم ، ودرس شيئاً من مبادئ اللغة العربية ، وانتقل من الكتاب إلى المدرسة الأولية والمعهد العلمى بمسجد دنقلا العتيق.
وفى أثناء دراسته بالمعهد العلمى كان يدرس بالكتاب مساعدة لشيخه.
وفى عام 1943 طلبه والده – رضى الله تعالى عنه- لزيارة مصر ، فذهب مع والدته وأخته حيث أقاموا فى مصر عاماً كاملاً دخل فى أثنائه القسم العام بالأزهر فى السنة الثالثة .
ثم سافر إلى السودان فى آخر عام 1943 ، وواصل تعليمه بالمعهد العلمى ، ودخل مدرسة أهلية ابتدائية افتتحها عباس ماهر المصرى للتدريس بها واستمر يدرس بالكتاب إلى أن انتدبه مفتش التعليم : حسن أبو درق للتدريس بها رسمياً بعد زيارته لها وسجل مذكرة بذلك.
فلما توفى شيخ الخلوة الكبير المشهور الشيخ حامد النجار واصل محله الشيخ أحمد الباشكاتب وعمل معه، ثم اتسعت الخلوة وصارت فصلين ، وسماها سيدى عبد الغنى ( مدرسة أطفال دنقلا) ثم صارت مدرسة أهلية صغرى وسماها ( مدرسة السعادة النموذجية ) .
واستمر كذلك ، وأخذ يترقى من مدرس إلى مدرس أول فمدير للمدرسة حتى وصل إلى رتبة موجه تربوى .
ثم طلبه الاتحاد الاشتراكى بواسطة محافظ المديرية الشمالية ليكون المدير التنفيذى لأمانة المديرية الشمالية.
ومكث 16 سنة فى تلك الوظيفة ، وكان أمين قسم مدينة دنقلا وعضو لجنة المنطقة الوسطى ، وأخذ دورتين عضواً فى المؤتمر العام للاتحاد الاشتراكى ، ومكث فى الاتحاد الاشتراكى إلى أن انتهى عهد الرئيس جعفر نميرى ، فعاد إلى وزارة المعارف ( التربية والتعليم ) فى وظيفة موجه فنى للتعليم فى المنطقة الوسطى .
ثم لما جاء نبأ وفاة والده الشيخ صالح الجعفرى –رضى الله تعالى عنه- طلب الإحالة للمعاش ليسافر إلى مصر ويتفرغ لإكمال ما بدأه والده من تربية المريدين فى الطريقة الجعفرية التى أسسها بالأزهر الشريف ، ولم تكن من الطرق الرسمية فى مصر ، فكان أول عمل قام به هو عمل تصديق رسمى بالطريقة الجعفرية الأحمدية المحمدية من المشيخة العامة للطرق الصوفية بمصر.
والذى ينظر إلى الطريقة الجعفرية منذ تسجيلها عقب انتقال الشيخ المؤسس سيدى صالح الجعفرى –رضى الله تعالى عنه- وحتى الآن يدرك أن سيدى الشيخ عبد الغنى – حفظه الله تعالى- بمثابة العمود الفقرى لها ، فبدونه لا يمكن أن ترسخ وتتوطد وتصل إلى ما وصلت إليه ، وهذا بلا أدنى محاباة أو نزاع والحق يقال : إن وجود وارث حقيقى لسيدى الشيخ صالح الجعفرى من صلبه وهو مؤهل للقيام بهذا المسئولية ، علمياً وذوقياً وفنياً – أقصد فن الدعوة إلى الله تعالى- فضلاً عن أنه ابن الشيخ الصلبى الوحيد الذى تتجمع القلوب حوله امتداداً لمحبة الشيخ الوالد ، كل هذا جعله مؤهلا لرسالته ، ويوم أن قال لى أحد أساتذتنا فى الجامعة – وهو من طريق صوفى معروف- : أن وجود سيدى الشيخ عبد الغنى –حفظه الله تعالى- بينكم منع عنكم كثيراً من المشكلات التى يتعرض لها أبناء الشيخ الذى لا عقب له أو له عقب غير مؤهل ، فقد حقق فيكم وجوده انتشاراً للطريقة عظيماً فى الداخل والخارج ، لا سيما وأن سيدى الشيخ عبد الغنى له إحاطة بالعلوم الشرعية والعربية وله بصيرة نافذة بفقه عصره.
والحق أقول: يوم أن سمعت هذا الكلام من ذلك الدكتور العالم المنصف فهمت لم كانت إشارة سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- لشيخنا الإمام الجعفرى –رضى الله تعالى عنه- قبيل وفاته بالوصية لسيدى الشيخ عبد الغنى بالقيام بأمر هذه الطريقة على ما نقله الأثبات العدول من تلاميذ سيدى الشيخ صالح الأوائل ، ولقد كان سيدى الشيخ عبد الغنى – حفظه الله تعالى- موفقاً غاية التوفيق فى المحافظة على أبناء سيدى الإمام الجعفرى قدامى ومحدثين ، فاستطاع أن يوحد الصف ، ويجمع الشمل ، ويلم الشعث ، ويؤلف القلوب ، وإذا كان الشئ من معدنه لا يستغرب فيكفيه فخراً أنه ابن سيدى الشيخ صالح الجعفرى وقد تولى تربيته سيدنا ومولانا الإمام الحسين –رضى الله تعالى عنه – وهو مع ذلك عصامى ، كافح وجاهد حتى وصل إلى ما وصل إليه بجده وعرقه إلى أن نال أعلى الشهادات ، ورقى أرفع المناصب فى بلده السودان الشقيق ، ثم امتثل أمر والده بتنفيذ وصية مولانا رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- وهى أن يكون سيدى الشيخ عبد الغنى صالح الجعفرى شيخاً للطريق من بعد والده ، فقد كانت نية شيخنا الشيخ صالح الجعفرى أن يعهد بالأمر بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى إلى أحد الشيوخ العلماء وهو صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد عبد الباقى ، بيد أن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- عهد بها إلى سيدى الشيخ عبد الغنى لحكمة بل حكم يعلمها الله ورسوله .
والحق أنه–حفظه الله تعالى-سلك بالإخوان مسلك والده خطوة بخطوة ، ولم يفارق النهج الجعفرى قيد أنملة ، وأنت تلمح تواضعه الجم منذ أول وقت وصل فيه حيث قال لأبناء الإمام الجعفرى الذين تتلمذوا على يديه ، ونهلوا من علمه ، قال لهم :”إن سيدى الشيخ ترك مسبحة ذات حبات كثيرة ، كلها متساوية ، وأنا بينكم كحبة من هذه الحبات ، فرد بعض الإخوان : بل أنت مئذنة هذه المسبحة ،فقال :لا.إن مئذنتها هو سيدى الشيخ صالح الجعفرى رضى الله تعالى عنه.
ومرة أخرى قال لهم : اعتبروا أنفسكم صفاُ سائراً إلى سيدى الشيخ صالح ، وأنا فى مؤخرة هذا الصف.
ومرة قال: إنما جئت حارساً للشجرة التى غرسها سيدى الشيخ صالح حتى لا تسقط منها ورقة أو تكاد تذبل.
ومن تواضعه ما رفعه من شعار : كل من يدخل الحضرة الجعفرية فعليه أن يلبس نظارة لا يرى بها إلا سيدى الشيخ صالح الجعفرى.
وقد طبق كل ما قاله تطبيقاً عملياً تاماً ، فلم يختلف حاله عن مقاله قدر شعرة ، مما جعل القلوب تلتف حوله وتلين له وتتعلق به ، وترى أن الله – عز وجل- عوضهم به عن شيخهم الأول الشيخ صالح الجعفرى أعظم تعويض،وهذا الأمر يفرح سيدى الشيخ صالح الجعفرى ويقر عينه ويثلج صدره حيث امتد أمر طريقته على يد أقرب الناس إليه ولده وفلذة كبده ، وهذه السياسة الحكيمة التى ساس بها سيدى الشيخ أحباب الإمام الجعفرى وسعت دائرة المحبة فى القلوب ، وبسطت مساحة الطريقة فى البقاع ، مما جعله يولى اهتمامه كله لمنهج الإمام الجعفرى ، فعكف على تراثه تحقيقاً وتنقيحاً وطبعاً ونشراً دون تزيد أو افتئات ، كما جعل عنايته الفائقة نحو صروح الطريقة فى مختلف الأنحاء داخل الجمهورية وخارجها حتى يتسنى لأبناء الإمام الجعفرى أن يتجمعوا على طريقته وحضرته فى أماكنهم الخاصة بهم فلا يكون لأحد عليهم – إلا الله تعالى – منة أو فضل، وحتى لا يعوق مسيرتهم شئ ، فنادى بتشييد المراكز الجعفرية متعددة الأغراض ، وتبرع لها بخالص ماله حتى ربت على الستين مركزاً أو ساحة جعفرية من الإسكندرية إلى أسوان ، بل بلغت ليبيا وماليزيا والحمد لله رب العالمين ، وقد انتهز فرصة تشييد هذه الصروح ليربى من خلالها الشباب على الإخلاص والعمل الدءوب المتميز بروح الفريق حتى لا ينتظر أحد أن يذكر بشئ دون إخوانه ورفاقه .
ولما كانت بداية شيخنا سيدى عبد الغنى – حفظه الله تعالى- تربوية ؛ فقد استطاع بحكمته وبصيرته أو يوظف الطاقات والمواهب توظيفاً عظيماً ، دفع بكل موهبة فى مكانها ، وفجر كل طاقة فى موضعها، فنادى بالصحوة الصوفية الشبابية منذ قيامه بهذا الأمر ، والتى آتت ثمارها – والحمد لله – على أعظم ما يرجو ويتمنى كل عاقل ، ومن عظيم فضل الله – تعالى- عليه أن سخر نفسه لخدمة الله – تعالى- ورسوله –صلى الله عليه وآله وسلم – ففتح بابه منذ الصباح الباكر وحتى منتصف الليل ليستقبل ضيوف الرحمن الكرام ، يكرم وفادتهم ليجد كل من يلوذ به كل ما يطلبه من توجيهات سديدة وإرشادات حكيمة ، فضلاً عما تقدمه بمناه من فضل الله– تعالى – ونحن إذ نكتب هذه السطور القلائل عنه – حفظه الله تعالى- إنما نتحدث بنعمة الله – عز وجل –علينا سائلين الله – تعالى- أن يكرم شيخنا بالعمر المديد وكمال الصحة وموفور العافية .
ترك تعليقاتكم