نبذة عامة:
الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد القشيري المصري، كان عالما موسوعيا برع في علوم الدين المختلفة من حديث و فقه و قرآن و أصول، و كان مع ذلك أديبا بارعا، و قطبا صوفيا، و قد زاد على ذلك حسن خلقه و سيرته بين الناس مم جعل علماء المسلمين قاطبة تعترف أنه انتهت إليه رياسة العلم في زمانه كما قال ذلك ابن كثير في مصنفه البداية و النهاية، تتوج به القرن السابع الهجري ليكون منارة من منارات الإسلام المشرقة على مر العصور.
اسمه:
الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد القشيري المصري، و اسمه بالكامل مجد الدين أبو الحسن على بن وهب بن مطيع بن أبى الطاعة بن يهزر بن حكيم بن معاوية بن حيده القشيرى بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وقبيلة قشير تشتهر بالعلم والأدب وينسب إليها كثير من العلماء محدثين وأدباء وشعراء.
مولده ووفاته:
ولد يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة 625 هـ ، بساحل مدينة ينبع من أرض الحجاز، و توفي يوم الجمعة حادي عشر شهر صفر سنة إثنين و سبعمائة 702 هـ، و هو العام الذي توفي فيه الشيخ ابن عطاء الله السكندري أيضا. و بذلك يكون عمر الشيخ عند انتقاله سبع و سبعين عاما.
بعد مولده أخذ والده على يده، و طاف به و دعا له أن يجعله الله عالما عاملا.
و كان والده الشيخ الفقيه الإمام العالم الورع الزاهد مجد الدين أبي الحسن علي بن أبي العطايا و هب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري و أمه هي بنت الشيخ المترج فاصلاه كريما.
علمه و تصوفه:
كان الشيخ تقي الدين راويا لفنون الجاهلية و علوم الإسلام معا، كما كان بارعا في العلوم الشرعية، ففي علم التفسير و الحديث و الفقه و الأصول.
تميز مع ذلك في الفنون الأدبية، و المعارف الصوفية، وكان بشكل خاص يجيد استباط المسائل، و يفتي على المذهب الشافعي.
كان خطيبا بليغا، مشهورا ببلاغته و فصحاته.
كان محققا و مدققا و هي وظيفة لا يطيقها أهل زمانه.
كما أنه كان من أهل الاجتهاد.
كان يسهر في طلب العلم، و لم تلهه المناصب و المراتب التي حازها عنه، بل كان محبا لتحصيل العلم حتى قالوا ما رأى الناس مثله، و في ذلك قيل فيه:
و تبدى له الدنيا من الحسن جملة :. يهيم بها النساك لو شاهدوا البعضا
فيعرض عنها لاهيا عن جمالها :. و يوسعها بعدا و يرفضها رفضا
و يسهر في ذكر و فكر و في علا :. و من بات صبَّا بالعلا جانب الغمضا
ما قال عنه العلماء:
حكى الفقيه أحمد الأسفوني شيئا عن اجتهاد الشيخ تقي الدين، للعلامة الشيخ علاء الدين علي بن اسماعيل القونوي، فقال: “والله ما هو ببعيد”
ترجمه الإمام فتح الدين محمد اليغمري، و قال: “لم أر مثله فيمن رأيت”
و في أدبه قال محمود الكاتب، وهو المحمود في مذاهب الأدب: “ لم تر عيني آدب منه” و كان محمود الكاتب إذا أنشأ لم يسبقه أحد في المشرق و المغرب.
طلبه العلم:
سمع بمصر و الشام و الحجاز.
ابتدأ بحفظ كتاب الله.
سمع الحديث من والده، و من الشيخ بهاء الدين أبي الحسن بن هبة الله بن سلامة الشافعي، و الحافظ عبد العظيم المنذري، و أبي الحسن محمد بن الأنجب أبي عبدالله بن عبدا لرحمن الصوفي البغدادي البغال، و الحافظ أبي علي الحسن بن محمد بن أحمد بن محمد التميمي البكري، و أبي العباس أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي، و أبي الحسن عبد الوهاب بن الحسن بن محمد بن الحسن الدمشقي، و أبي الحسن بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي، و قاضي القضاة أبي الفضل يحيى بن قاضي القضاة أبي المعالي محمد بن علي بن محمد القرشي، و أبي المعالي احمد بن عبد السلام بن المطهر،و أبي الحسن عبد اللطيف بن إسماعيل، و الحافظ أبي الحسن يحيى العطار، و النجيب أبي الفرج و أخيه العز الحرانيين، و آخرين.
و سمع منه مع قلة تحديثه:
قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أبي القاسم بن عبد السلام ابن جميل التونسي، و قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن عدلان، و الشيخ أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي، و الشيخ فخر الدين عثمان المعروف بابن بنت أبي سعيد، و الشيخ تاج الدين محمد بن الدشناوي، و الشيخ فتح الدين محمد بن محمد اليعمري، و شرف الدين محمد بن القاسح الأخميمي، و الشيخ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور الحلبي، و أخرين.
و أما الفقه فقد اشتغل الشيخ على مذهب الإمامين مالك و الشافعي على والده، و اشتغل أيضا بمذهب الشافعي على تلميذ والده الشيخ بهاء الدين هبة الله القفطي، أولا و كان يقول البهاء معلمي.
ثم رحل إلى القاهرة فقرأ على شيخ الإسلام و سلطان العلماء و بائع الملوك و العز سيدي الشيخ أبي محمد ابن عبد السلام. جمعنا الله بهم جميعا مع شيخنا الزاهد العالم الورع سيدي الشيخ صالح الجعفري و ذريته أجمعين الذين قدمونا لهؤلاء المشايخ العظماء.
أما الأصول فقد قرأها على والده، و على القاضي شمس الدين محمود الأصبهاني لما كان حاكما بقوص.
أما العربية فقد قرآها على الشيخ شرف الدين محمد بن أبي الفضل المرسي و غيره.
تصانيفه و كتبه:
الإلمام الجامع.
اقتناص السوانح.
له املاء على مقدمة كتاب عبد الحق.
شرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه.
له تصنيف في أصول الدين.
شرح التبريزي في الفقه.
الاقتراح في معرفة الاصطلاح، و هو كتابه في علوم الحديث.
و له خطب و تعاليق كثيرة.
كرمه و جوده:
اشتهر الشيخ تقي الدين ابن دقيق بكرمه فيخبرنا الشيخ الأدفوي أن شيخه العلامة علاء الدين القونوي أخبره أنه كان يعطيه في كثير من الأوقات الدراهم و الذهب، و في ترجمته للشيخ تقي الدين ابن دقيق جاءت حكايات أخرى عن كرمه عن الشيخ محمد بن عقيل البالسي، و الشيخ محمد بن الحواسيبي القوي من أصحابه، و الشيخين العالمين شمس الدين محمد بن عدلان و شمس الدين محمد بن القماح.
الجامع الجعفرى الدراسة 2021 - كل الحقوق محفوظة